Jul 23, 2016

Promotion Rule of Law تعزيز سيادة القانون

Ezzat Lucas




سيادة القانون
و الديموقراطية
Rule of Law
And Democracy

اصبحت جميع دول العالم النامى بحاجة الى تعزيز سيادة القانون من اجل التحول نحو الديموقراطية, و ما يستلزمه ذلك من اصلاحات تشريعية و التأكد من خضوع جميع الأفراد بمن فيهم من هم فى السلطة تحت حكم سيادة القانون,
انها اول و اهم خطوة نحو الاصلاح السياسى و الاقتصادى الحقيقى,
اننا فى اشد الحاجة الى تطور ديموقراطى حقيقى, الى تغيير بعض المفاهيم المغلوطة, نشر ثقافة الاصلاح و بناء قدرات المجتمع و نبذ العنف, تعزيز قيم العدالة و الديموقراطية و حقوق الانسان و الشفافية و المساءلة,  من اجل استقرار الدولة سياسيا و تنميتها اقتصاديا فان حق الشعوب فى الحرية و العدالة لا يتناقض مع مسؤليتها عن حماية هذه الحرية من الفوضى, و حماية العدالة من أن تكون سيفا للأنتقام من اشخاص بعينهم,
ان الحكومات التى تسعى الى قمع الحريات و تهميش فئات معينة و انتهاك حقوق الانسان و انتهاك سيادة القانون,
هى فى الواقع تسعى الى الاحتفاظ بالسلطة من خلال القهر و الظلم و الفساد و الاستبداد, فى حين ان الضمانة الوحيدة للاستمرار فى السلطة هى العدالة و حماية حقوق الانسان و خضوع جميع الأفراد بمن فيهم من هم فى السلطة لسيادة القانون, اما القهر و الظلم و الفساد و الاستبداد فانها تؤدى الى ثورات الشعوب و سقوط الحكم.
و خير دليل على ذلك قيام الشعب المصرى بثورة 25  يناير 2011 لاسقاط نظاما فاسدا, و قام بعدها بثورة 30 يونيو 2013 لاسقاط نظاما مستبدا.
تحتاج منظمات حقوق الانسان الى الدعم من اجل تعزيز سيادة القانون و تعزيز قيم العدالة و نشر ثقافة حقوق الانسان -التى هى فى فحواها ثقافة قانونية- لدى المسئولين و المواطنين على حد سواء حتى نتجنب ارتكابهم جرائم ضد الانسانية, فاذا كانت سلطات الدولة تلزم جميع الأفراد باحترام سيادة القانون فانه يجب على من هم فى السلطة ايضا  ان يخضعوا لسيادة القانون لترسيخ و بناء دولة القانون.
فاذا كانت الديموقراطية هى  معيار شرعية الحكم, فان العدالة هى الضمانة للبقاء فى السلطة.
الديموقراطية بمفهومها العام هى حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية, و هذا يعنى تمثيل فعلى لجميع فئات الشعب بمختلف انتماءاته داخل مؤسسات الدولة, و الديموقراطية بهذا المفهوم لا تعنى احتكار الأغلبيه للسلطة بما له من تداعيات خطيرة اهمها سعى الأقليات الفئوية أو النوعية الى تكتلات لمحاربة احتكار السلطة, بدلا من سعى جميع فئات المجتمع الى التنمية و بناء الدولة الحديثة.
إن عملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديموقراطي، فالتنمية السياسية تهدف في النهاية إلى بناء النظام السياسي، وإجراء عمليات التحديث عليه ليصبح نظاما عصريا و متطورا و ديموقراطيا، فالتنمية السياسية بذلك تفترض التخلص من بقايا السلطات التقليدية بخصائصها التي لم تعد تناسب البناء الجديد، و هذه الحالة تتطلب وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي لا تزال تؤثر سلبا في اتجاهات الأفراد و المجتمع. و مثال على ذلك لابد من القيام بعملية نفسية و إجرائية لجعل الأفراد يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم و مصالحهم و طموحاتهم و أمنهم و استقرارهم, وهنا من المفترض أن يتسع المجال للتغيير المؤسسي و استمرارية تغيير النظام السياسي، بحيث يكون لدى الأفراد القابلية للموافقة على الأشكال الجديدة للتنظيمات و الطرق الجديدة لتداول السلطة. و من اجل التطبيق الفعلي للديمقراطية يجب التركيز على مقومات التنمية السياسية ونذكر منها:
1- المشاركة السياسية                                    2- التعددية السياسية                     3- التداول السلمي للسلطة                              4- حماية واحترام حقوق الإنسان

أولاً: المشاركة السياسية
 المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو حق المواطن في أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، هذا في أوسع معانيها، وفي أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب تلك القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم، وهي تعني، "ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع قرار الحكومة، سواء أكان هذا النشاط فردياً أو جماعياً، منظماً أو عفوياً، متواصلاً أو منقطعاً، سلمياً
أم عنيفاَ، شرعياً أو غير شرعي، فعالاً أم غير فعال فهى شكل من الممارسة السياسية يتعلق ببنية النظام السياسي و آليات عملياتهُ المختلفة، إذ يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات سواء كانت التأييد و المساندة أو المعارضة، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي بالصورة التي تلائم مطالب الأفراد و الجماعات الذين يقدمون عليها.
و المعنى الأكثر تداولاً لمفهوم المشاركة السياسية هو "قدرة المواطن على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنه يفعلون ذلك". وهناك عدد من الباحثين استخدم مفهوم المشاركة السياسية بمعنى "أن تصدر القرارات العليا تعبيراً عن رغبة المجتمع، و لهذا تتطلب الأمور ظهور التنفيذ النيابي، و نظم الانتخابات و الاستفتاء و الاستعانة بالخبراء". إن العملية السياسية تتم عن طريق ممارسة أعداد كبيرة من اللاصفوة السياسية، العمل السياسي و الاندماج السايكلوجي في العملية السياسية، و هذا يعني إشراك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية و العرقية في الحياة السياسية العامة، و تمكينهم من أن يلعبوا دوراً واضحاً في العملية السياسية، أي تكون السلطة عن طريق التمثيل فيها. و تعتبر المشاركة السياسية بعداً أساسياً من أبعاد التنمية البشرية، حيث عرفها إعلان "الحق في التنمية" الذي أقرتهُ الأمم المتحدة عام 1986م عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و سياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان و كل الأفراد، و يمكن عن طريقها معرفة أعمال حقوق الإنسان و حرياته الأساسية. يتضح مما سبق إن العلاقة بين المشاركة السياسية و التنمية البشرية، هى إن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية، بدون مشاركة فعلية و حقيقية من قبل شرائح المجتمع و بمختلف انتماءاتهم الأثنية و الإقليمية و الاجتماعية. و عليهِ يمكن القول: إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر
الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية، و لكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي من خلال
 القضاء على الأمية و التخلف، و حرية و سائل الإعلام، و حرية الرأي و التعبير، و تقوية و تفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب و جماعات مصالح و جماعات ضغط و تفعيل دور المؤسسات و الهيئات في الدولة، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدوات مراقبة أعمال الحكومة، و تحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع، و بناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية، و عند توفير الشروط المذكورة آنفاً فمن الممكن الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة من قبل الجماهير.
 و هذه المشاركة السياسية سوف تعود على المجتمع بعدة فوائد يمكن استخلاصها في هذا الصدد كما يلي:
1-   إن المشاركة السياسية تعني تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة و صنع القرارات و اتخاذها و تنفيذها
2-   إن المشاركة تعني إعادة هيكلة و تنظيم بنية النظام السياسي و مؤسساته و علاقته بما يتلاءم و صيغة المشاركة الأوسع للشعب في العملية السياسية و فعالياتها.
3-   إن المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الرئيسية لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع.
4-   إن المشاركة السياسية توفر للسلطة فرص التعرف على رأي الشعب و رغباته و اتجاهاته.
5-    إن المشاركة السياسية توفر الأمن و الاستقرار داخل المجتمع. 
6-   إن المشاركة السياسية تمثل الإرادة العامة للشعب. 
7-   إن المشاركة السياسية تعني القضاء على الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة. 
8-   إن المشاركة السياسية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية في المجتمع.
9-   إن المشاركة السياسية تلعب دوراً كبيراً في بناء و تحقيق الوحدة الوطنية بين الجميع.
يتضح مما تقدم إن إتاحة الفرصة لجميع سكان الدولة للمشاركة الشعبية باتخاذ القرارات و إدارة شئون البلاد، بمعنى الإسهام في الحياة العامة، يولد الأمن و الاستقرار السياسي داخل البلاد، لان المشاركة السياسية هي أحد الشروط الأساسية للقدرة على رص الصفوف لتحقيق الوحدة الوطنية، و كذلك تحقيق أهدف التنمية السياسية.

ثانياً: التعددية السياسية
و أهمها التعددية الحزبية، و هى "مشروعية تعدد القوى و الآراء السياسية و حقها في التعايش و التعبير عن نفسها و المشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها. اى انها "مظهر من مظاهر الحداثة السياسية التي هي أولاً و قبل كل شيء وجود مجال اجتماعي و فكري يمارس الناس فيه "الحرب" عن طريق السياسة أو بواسطة الحوار و
 النقد و الاعتراض و الأخذ و العطاء، و بالتالي التعايش في إطار السلم القائم على الحلول الوسطية.
و الخلاصة التي نستطيع أن نحددها إجمالاً إن التعددية السياسية لها نماذج عدة فمنها التعددية الحقيقية و منها التعددية الشكلية، فالتعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة من البرامج والأيديولوجيات،
 و هذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تجري بصورة دورية، أما التعددية الشكلية فهي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية السياسية، أي تكون من عدة أحزاب، و لكن النظام القائم أقرب إلى نظام الحزب القائم، و هو الحزب المسيطر، و من هنا فإن التعددية السياسية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج و الأيديولوجيات و المصالح و التكوينات الاجتماعية و الديموغرافية و الاقتصادية. و عليهِ فمن الممكن أن نميز بين التعددية السياسية و التعددية الحزبية، فالتعددية السياسية تتصف بالشمولية، أي إنها يجب أن تتضمن تعددية حزبية، لأنها تمثل قوة اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و سياسية مختلفة، أما التعددية الحزبية لا تعني تعددية سياسية، إذا كانت هناك سيطرة كاملة لحزب واحد و تهميش للأحزاب الأخرى، أي إن التعددية الحزبية جزء مكمل للتعددية السياسية. و وفقاً لذلك فإن التعددية السياسية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية ومظهراً من مظاهرها الأساسية و عنصراً من عناصر وجود الديمقراطية، و لكن لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها "فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة مثل الضمانات المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير العلني، و تكوين الجمعيات و الانضمام إليها وسيادة القانون، و إجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية، و وجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية و منظمة، و فوق ذلك ضرورة و جود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين". لذلك فإن مبدأ إقرار التعددية السياسية لا يعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة و الثروة من قبل فئة أو جهة واحدة أو طائفة اجتماعية معينة، أو بدون التداول السلمي للسلطة، و توزيع الثروة بين الجميع وفقاً إلى مبدأ تكافؤ الفرص و الاستحقاق و الجدارة،
و بدون ذلك فمن الصعب الادعاء بتحقيق الديموقراطية. بهذا المعنى تعتبر الديموقراطية شكلاً من أشكال ممارسة السلطة، على أن يكون هناك اتفاق ووئام بين جميع أعضاء الجماعة الوطنية و القوى و الأحزاب السياسية، على شكل الممارسة، فالمسألة الديمقراطية تبقى شكلية دون مساهمة الجميع في ممارستها، بحيث تحقق في النهاية الوحدة الوطنية عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية و الاجتماعية المؤثرة في المجتمع التي بإمكانها المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار السياسي و الحفاظ على مبدأ تداول السلطة عن طريق:
1.   مبدأ سيادة القانون                                                           
2.   مبدأ عدم الجمع بين السلطات
3. مبدأ لا سيادة لفرد و لا قلة على الشعب.                                  
4. مبدأ ضمان حقوق جميع الأفراد
و وفقاً لذلك فالديموقراطية بهذه الحالة ليست فقط أحزاباً أو انتخاباً، و إنما هي مجموعة من الأفكار والقيم التي ينتجها المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية و التوجيهية، و إن أهم هذه القيم هي الإيمان بالتعددية الحزبية و التسامح السياسي و الفكري. و بعبارة أخرى إن الديموقراطية هي المشاركة السياسية و احترام حقوق الإنسان، وهذا جوهر التعددية الحزبية، فالتعددية الحزبية تعني ميزة التنوع واحترام حقوق الآخرين و حق الفرد في اختيار من يمثله في السلطة و ضمان حقه في عملية صنع القرار السياسي.

ثالثاُ: التداول السلمي للسلطة
 المقصود بالتداول السلمي للسلطة، هو عدم جعل الحكم في قبضة شخص واحد، أي التعاقب الدوري للحكام في ظل انتخابات حرة، وبذلك سوف يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفاً، وبهذا سوف لا يتغير اسم الدولة ولا يتبدل دستورها و لا شخصيتها الاعتبارية بتغيير الحكام والأحزاب الحاكمة، وبهذا فإن السلطة هي اختصاص تتم ممارسته من قبل الحاكم بتخويل من الناخبين وفق أحكام الدستور، أي إن السلطة ليس حكرا على أحد، وإنما يتم تداول السلطة وفقاً لأحكام الدستور الذي يعتبر السلطة (سيادة القانون) التي لا تعلوها سلطة أخرى.
يتضح مما تقدم إن مبدأ التداول السلمي للسلطة من قبل الأحزاب والحركات السياسية يعتبر من أبرز آليات الممارسة الديمقراطية، فمن غير الممكن الحديث عن قيام دولة ديمقراطية ما لم يكن هناك إيمان واعتراف بمبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال تبادل الحركات والأحزاب لمواقع الحكم داخل الدولة وهذا يعني إن السلطة السياسية لم تعد حكراً على أحد أو لحساب حزب معين أو جهة معينة على حساب مصلحة الآخرين، وإنما السلطة تتم إدارتها من قبل الأحزاب والحركات السياسية التي تحصل على الأغلبية من أصوات الناخبين أثناء العملية الانتخابية، ولهذا فإن مبدأ التداول للسلطة قائم على أساس المنافسة الحرة مابين القوى السياسية، حيث تصير المنافسة وفقاً للأحكام الدستورية والقانونية، دون الخروج عنها، لأن الخروج عنها يعني الخروج عن القانون والنظام، ومن ثم الخروج عن الديمقراطية بكل مفاهيمها، لذلك فالتداول السلمي على السلطة، يعني الاعتراف بشرعية النظام السياسي من قبل الشعب و مزاولة ذلك النظام لأعماله الدستورية
وفقاً لسيادة القانون،
وهذا الأمر بحد ذاتهِ يعتبر ترسيخاً لأسس وقواعد الوحدة الوطنية، لأن الشعب بكل طوائفه، أغلبية وأقلية ممثل في هذه السلطة و حقهُ مصان وفقاً لأحكام الدستور، وبهذا يصبح جميع أفراد المجتمع ينتمون بقوة إلى المجتمع، ويشاركون بصورة فعاله في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويتمتعون بنصيب عادل من عوائدها، وبالتالي فإن ذلك سوف ينعكس بشكل إيجابي على أمن واستقرار الدولة، 
و ذلك لأن مسألة تداول السلطة و مشاركة الجميع فيها، و من خلال قنواتها المعروفة، سوف يحقق نوعاً من الإجماع السياسي، الذي يعتبر أساساً لبناء و تحقيق الديمقراطية.

رابعاً: حماية و احترام حقوق الإنسان:
إن مسألة حقوق الإنسان و الاعتراف بها من قبل الدساتير و التشريعات الداخلية في الدولة، أو في الاتفاقيات الدولية و الإقليمية لن يحقق لها الاحترام و الفاعلية المطلوبة ما لم تكن هناك ضمانات تعمل على حمايتها، و المقصود هنا بالضمانات الوسائل و الأساليب المتنوعة التي يمكن بواسطتها حماية الحقوق و الحريات من أن يعتدى عليها. و يقصد بحماية حقوق الإنسان "مجموعة الإجراءات التي تتخذ على الصعيد الدولي و الإقليمي و على الصعيد الوطني من قبل الجهات المختصة في بلد ما ببيان مدى التزام سلطات هذا البلد بحقوق الإنسان و الكشف عن الانتهاكات المرتكبة و وضع المقترحات لوقف هذه الانتهاكات بإحالة مرتكبيها إلى القضاء الوطني أو إلى قضاء دولي لمحاسبتهم". في سياق هذا المفهوم لحقوق الإنسان و ممارستهِ في مجتمع ما، فإن هذه الحقوق لا تتحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة و قوانينها و لا بمصادقة هذه الدولة على المعاهدات و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و حرياته، فممارسة الحقوق والحريات لا نجدها إلا في ظل مجتمع حر يتمتع بنظام حر، و الصفة الرئيسة التي تميز هذا النظام هي خضوع سلطة الحكم لسيادة القانون عن طريق الضمانات التي تكمل الحقوق والحريات العامة، والتي في جوهرها عبارة عن مبادئ قانونية تضمن انصياع السلطة لمطالب الحرية و العدالة و حقوق الانسان، و هذه المبادئ القانونية هى:
1-   مبدأ سيادة القانون.
2-   مبدأ الفصل بين السلطات.
3-   مبدأ الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية.
4-   مبدأ استقلال السلطة القضائية.
5-   مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين.
6-   مبدأ الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وقراراتها.

1-   مبدأ سيادة القانون:
يعتبر من أحدى الضمانات الأولى والمبدئية لحماية حقوق الإنسان، حيث تخضع سلطة الحكم في الدولة للقانون خضوع المحكومين لهُ وفقاً للدستور الذي يضع قواعد الحكم الأساسية، و يقرر الحقوق و الحريات الخاصة للأفراد و الجماعات، و بهذا يتحقق للأفراد المركز القانوني في مواجهة سلطة الحكم.

2-   مبدأ الفصل بين السلطات:
المقصود بالسلطات هنا هي المؤسسات والهيئات العامة الحاكمة في الدولة وهي حسب وظائفها تقسم إلى ثلاث سلطات تشريعية– تنفيذية– وقضائية. والمراد هنا بالفصل بين السلطات الثلاث كضمانة من ضمانات حقوق الإنسان، هو أن تكون لكل
سلطة من السلطات الثلاث في الدولة اختصاصاتها المحدودة. بحيث تكون كل سلطة منفصلة عن الأخرى انفصالاً مرناً، وذلك لمنع قيام حكم مستبد بتركيز السلطة بيد واحدة أو جهة واحدة، وبحيث تمارس كل سلطة رقابتها على الأخرى مع ضمان

الحريات و الحقوق في المجتمع. والفصل بين السلطات، يعني عدم تركيز السلطات في الدولة في يد واحدة أو هيئة واحدة، فالشخص لا يجوز له أن يتولى أكثر من وظيفة واحدة من وظائف الدولة الثلاثة، التشريعية – التنفيذية أو القضائية، فمثلاً لو اجتمعت السلطة التشريعية أو التنفيذية في يد واحدة فقد يحدث أن يعّدل القانون لمراعاة أغراض شخصية وبذلك يفقد التشريع الغرض الأساسي لهُ و هو وضع قواعد عامة مجردة لتطبق على كل الحالات.

3-   مبدأ الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية:
المقصود هنا بهذا الفصل هو عدم تدخل السلطة العسكرية في الشؤون السياسية، ومنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية و عدم ممارسة العسكريين للسلطة القضائية.

4-   مبدأ استقلال السلطة القضائية:
القضاء معناه العام هو الفصل بين الناس في الخصومات و النزاعات على سبيل الإلزام، ودور القضاء كبير في المجتمع و ذلك لإنصاف المظلومين، فالقضاء هو الوسيلة التي تسترجع بها الحقوق إلى أصحابها وتُصان بها الحريات و الأعراض و الأموال، و إن قيام القضاة بأداء وظائفهم بحرية و استقلال يعد من أكبر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة، و هذا يعني أن يتساوى أمام القضاء جميع الأفراد تحت سماء العدالة. ويقوم مبدأ استقلال القضاء على مبدأ أساسي و هو "لكي تتحقق المساواة و تضمن العدالة في الحكم القضائي، يجب أن يتمتع القاضي بالاستقلال التام و الحرية الكاملة في عملية اتخاذ القرار القضائي".

5-   مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين:
المقصود هنا بالرقابة القضائية، هو حماية حقوق الإنسان من تجاوزات السلطة التشريعية، وذلك من خلال منع المشرع من انتهاك المبادئ التي تهدف لضمان حقوق الإنسان أثناء عملية تشريع القوانين، و لتحقيق هذا الهدف يجب إنشاء محكمة دستورية عليا يكون اختصاصها الحكم بإلغاء القانون إذا ثبت عدم دستوريته، و تتجسد الرقابة في وجوب خضوع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للرقابة القضائية للتأكد من مطابقتها النصوص الدستورية.

6-   مبدأ الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة و قراراتها:

و هذا المبدأ يختص بحماية الحقوق و الحريات من تجاوزات السلطة التنفيذية و انتهاك سيادة القانون بيد المنوط بهم احترام القانون، و ذلك من خلال مراقبة أعمال الحكومة والإدارة، عن طريق السلطات القضائية و التي تشمل تصرفات الإدارة و قراراتها، في حالة ثبوت الإساءة في استعمال السلطة فتقوم السلطة القضائية باصدار احكامها وفقا للقانون وصولا الى خضوع جميع الأفراد لسيادة القانون.